مضادات حيوية تحت أعيننا مباشرةً

للبكتيريا المستوطنة طبيعيًّا في الجسم أدوار كثيرة للحفاظ على الصحة. وقد قام باحثون مؤخرًا بالتعرف على نوع من البكتيريا المستوطنة في الأنف، تنتج مضادًّا حيويًّا فعالًا ضد أحد العوامل المُمْرِضَة.

 

  • كيم لويس
  •  فيليب ستراندويتس

ينتشر قلق حاد في العيادات حاليًّا حيال تزايد “الجراثيم الفائقة” المقاوِمة للمضادات الحيوية، مثل سلالات بكتيريا العنقوديات الذهبية المقاوِمة للميثيسلين Staphylococcus aureus، المعروفة باسم S.aureus ـ وتُسمى اختصارًا “مرسا” MRSA ـ التي طوَّرت مقاومةً تجاه عديد من المضادات الحيوية الرئيسة. ونظرًا إلى تزايد السلالات البكتيرية المقاوِمة، فإن العثور على المزيد من المضادات الحيوية أمر ضروري. وبرغم أن معظم المضادات الحيوية قد تم عزلها من بكتيريا تعيش في التربة، إلا أن زيبرر وزملاءە1 تعرفوا على مضاد حيوي تنتجه إحدى أنواع البكتيريا المستوطنة للأنف في البشر، ظهر أن له فعالية ضد سلالات “مرسا”.

تُعتبر بكتيريا Staphylococcus aureus مُمْرِضًا بشريًّا انتهازيًّا؛ بالإضافة إلى تَسَبُّبها لحالات عدوى “مرسا”، وهي أيضًا مسؤولة عن العديد من حالات العدوى الأخرى، بما فيها تلك التي تحدث في مجرى الدم (تَجَرْثُم الدم)، وبطانة القلب (التهاب الشغاف)، أو العدوى التي تحيط بالأعضاء الصناعية المزروعة في الجسم. وتوجد هذه البكتيريا  في الأنف لدى حوالي 30% من السكان، مما دفع الكثيرين إلى بذل جهود لمحاولة إنهاء استيطانها في الأنف، بواسطة مضادات حيوية متنوعة2، وهو أمر مثير للجدل، نظرًا إلى الجهود المبذولة للحدّ من استعمال المضادات الحيوية، لكنْ كيف يستطيع 70% من السكان مقاومة استيطان هذا النوع من البكتيريا؟

إن وجود أنواع عديدة من البكتيريا في الأنف ـ بما في ذلك أنواع أخرى من بكتيريا Staphylococcus ـ يرتبط سلبًا بوجود بكتيريا S. aureus، إلا أن آلية نمط الانتشار هذه، إضافة إلى التثبيط المفترض لغزو بكتيريا S. aureus (ما يُطلق عليه “مقاومة الاستيطان”)، دائمًا ما كانت غامضة . وللتحقق من صحة هذه المقاومة البكتيرية المحتملة، قام زيبرر وزملاؤه بمسح 90 عيّنة من عينات بكتيريا Staphylococcusالمأخوذة من تجويف الأنف في البشر، متضمنةً أنواعًا عديدة منها؛ لاختبار مسألة تثبيط نموّ بكتيريا S. aureus.

وقد وُجد أن إحدى السلالات المكتشَفة ـStaphylococcus lugdunensis ـ قامت بالقضاء على مجموعة نامية من بكتيريا S. aureus، مما يشير إلى أن هذه السلالة تفرز مركبًا يسبِّب تكسير وانحلال بكتيريا S. aureus. وباستخدام مكتبة من طوافر سلالة S. lugdunensis التي تم تعطيل بعض جيناتها الفردية، تمكَّن الباحثون من تحديد نسخة طافرة وحيدة لم تستطع تثبيط بكتيريا S. aureus. وبدراسة هذه النسخة الطافرة، تم تحديد المركَّب المسؤول عن تثبيط البكتيريا، وهو مضاد حيوي من الببتيد، أطلق عليه المؤلفون اسم “لوجدونين” lugdunin. وتشير نتائج زيبرر وزملائه إلى أن العلاج بواسطة بكتيريا S. lugdunensis (أو استخدام المضاد الحيوي لوجدونين) ربما يشكّل أداة قَيِّمة لمنع استيطان بكتيريا S. aureus في العيادات. قد يبدو غريبًا أن ينتج أحد أعضاء مجهريات البقعة البشرية ـ المجتمع البكتيري الذي يعيش فى الجسم ـ مضادًّا حيويًّا، لكن على أي حال، تتكون مجهريات البقعة من أكثر من ألف نوع مختلف، يتنافس الكثير منها على المكان والعناصر المغذية، كما أن مستوى الضغط الانتقائي للقضاء على بكتيريا الجوار مرتفع. ويمكن ملاحظة هذه المنافسة الشرسة بمراقبة أنماط المجتمعات البكتيرية التي يرتبط وجود نوع معين فيها سلبًا مع وجود نوع آخر.

الشكل 1 | نهج للتعرف على المضادات الحيوية الطبيعية.

 

 قام زيبرر وزملاؤه1 بتحليل تزامن وجود مجهريات البقعة البشرية (أي المجتمع البكتيري الذي يعيش في الجسم) مع بعضها البعض؛ لتحديد أنواع البكتيريا التي لا توجد مع البكتيريا المُمْرِضَة المستهدَفة. وبشكل فردي، تم اختبار المنافسين المحتمَلين من السلالات البكتيرية، لمعرفة قدرتهم على تثبيط نمو العامل المُمْرِض، ثم تم استنبات ومسح السلالات التي تمكنت من ذلك، للنظر فيما إذا كانت قد أدَّت لظهور مقاومة للاستيطان في نموذج حيواني، أم لا. ومن ثم، قام الباحثون بعزل مركّب مضاد حيوي مسؤول عن تثبيط المُمْرِض؛ يمكن تطويره أو تطوير الميكروب الذي ينتجه لعلاج الأمراض. 

قام زيبرر وزملاؤه بتحليل تزامن وجود مجهريات البقعة البشرية (أي المجتمع البكتيري الذي يعيش في الجسم) مع بعضها البعض؛ لتحديد أنواع البكتيريا التي لا توجد مع البكتيريا المُمْرِضَة المستهدَفة. وبشكل فردي، تم اختبار المنافسين المحتمَلين من السلالات البكتيرية، لمعرفة قدرتهم على تثبيط نمو العامل المُمْرِض، ثم تم استنبات ومسح السلالات التي تمكنت من ذلك، للنظر فيما إذا كانت قد أدَّت لظهور مقاومة للاستيطان في نموذج حيواني، أم لا. ومن ثم، قام الباحثون بعزل مركّب مضاد حيوي مسؤول عن تثبيط المُمْرِض؛ يمكن تطويره أو تطوير الميكروب الذي ينتجه لعلاج الأمراض.

تكمن إحدى الآليات المحتملة لهذه التفاعلات السلبية في إنتاج المضادات الحيوية، فبرغم أن اكتشاف المضادات الحيوية بالطرق التقليدية كان يركّز على استخراج المركّبات من البكتيريا التي تعيش في التربة، تَمَكَّن التحليل الجينومي الكامل للميكروبيوم البشري من تحديد عديد من التجمعات الجينية التي ترمّز لإنزيمات مرتبطة بعملية إنتاج المضادات الحيوية، مثل سنثيز متعدد الكيتيد، أو سنثيتيز الببتيد غير الريبوسومي، إلا أن عددًا قليلًا فقط من هذه المضادات الحيوية قد أمكن استخلاصه داخل المختبر؛ من ضمنهم جزيئات نوعية مثبطة للبكتيريا، يُطلق عليها اسم جزيئات البكتيريوسين، ومضادات حيوية ببتيدية كبيرة تُدعى “لانتيبيوتيك” lantibiotics، والمضاد الحيوي “لاكتوسيلين” lactocillin الذي يبدي فعالية ضد عديد من الأنواع البكتيرية المُمْرِضَة. وحتى الآن، لم تتوفر الأدلة التي تربط هذه المركبات بالميزة التنافسية التي قد تبديها، وبالتالي قامت الدراسة الحالية بسد هذه الثغرة.

وجد زيبرر وزملاؤه أن المضاد الحيوي لوجدونين له فعالية ضد عدد من المُمْرِضات، بما في ذلك سلالات “مرسا”، وبكتيريا Enterococcus المقاومة للمضاد الحيوي فانكومايسين. ولم تطوِّر البكتيريا التي عولجت بواسطة اللوجدونين مقاوَمة تجاهه. وقد ظهر في الدراسات التي أجريت على الفئران في المختبر وفي الأجسام الحية أن قدرة بكتيريا S. Lugdunensis على إزاحة بكتيريا S. aureus تعتمد على وجود مسار تخليقي حيوي فعال للمضاد الحيوي لوجدونين.

ومن خلال تحليل 187 مريضًا محتجَزًا في المستشفى، وجد الباحثون أن استيطان بكتيريا S. aureus لم يتجاوز 5.9% في الأفراد الحاملين لبكتيريا S. Lugdunensis، مقارنةً بـ34.7% في الأفراد غير الحاملين لها. وعند إنتاج بكتيريا واحدة في مكان محدّد بالمضاد الحيوي لوجدونين والمضادات الحيوية المماثلة، يتضح أن لها قدرة كبيرة للتأثير على بنية المجتمع البكتيري. ونظرًا إلى أن بكتيريا S.Lugdunensis توجد لدى حوالي 10% فقط من السكان، بينما توجد S. aureus في حوالي 30%، ففي الغالب لا يزال هناك المزيد من المضادات الحيوية المسؤولة عن مقاومة استيطان بكتيريا S. aureusالتي لم تُكتشَف بعد.

وقد وُجد في الفئران أن المضاد الحيوي لوجدونين له فعالية في علاج عدوى الجلد التي تسبِّبها بكتيريا S. aureus، إذا ما استخدم بشكل موضعي على سطح الجلد. وباعتبار أن المضاد الحيوي لوجدونين يمكنه تثبيط عملية تصنيع البوليمرات الحيوية الرئيسة (البروتينات، والحمض النووي، ومادة الببتيدوجلايكان) في بكتيريا S. aureus، فربما كان من المضادات الحيوية التي تعمل على الغشاء، وفي هذه الحالة سيشكل تطويره لعلاج جهازي تحديًا كبيرًا؛ إذ إنّ مثل هذه المركبات تميل أيضًا إلى الإخلال بأغشية الخلايا لدى الثدييات.

إن طريقة اكتشاف المضاد الحيوي لوجدونين ـ التي أشار إليها زيبرر وزملاؤه في بحثهم ـ تقدِّم نهجًا عامًّا للتحقق من عملية مقاومة مجهريات البقعة البشرية لاستيطان المُمْرِضات، التي تحفِّزها المضادات الحيوية (الشكل 1). ومن خلال الجمع بين البيانات الجينومية والبيانات المتزامنة، يمكن التعرف على البكتيريا التي ترتبط سلبًا بوجود عامل مُمْرِض، والتي تستطيع إنتاج المضادات الحيوية. وقد تصبح هذه الكائنات، أو المضادات الحيوية التي تنتجها، بمثابة الدليل المرشد لاكتشاف الأدوية الجديدة.

Comments

comments